في الجزء السادس من المسلسل السياسي الشهير «هاوس اوف كاردز»، يقول الممثل الدنماركي «لارس ميكيلسين» والذي يقوم بدور الرئيس الروسي: إذا كنا قد تعلمنا من التاريخ شيئاً، فهو أن الأمريكيين يجدون دوماً طريقة للمغادرة. مهما كان الثمن باهظا.
هي فرصة جديدة للتأكيد على إتقان هذا العمل، وجودة السيناريو والتطابق أحيانا مع الواقع، خاصة ونشرات الأخبار تشير إلى انسحاب مفاجئ للولايات المتحدة من سوريا، وللعودة للتاريخ القريب فحتى دخول هذه القوات إلى سوريا، وتدريب عناصر من «قسد» تعتبرهم تركيا - حليفة واشنطن وعضو الناتو- أخطر عليها من داعش، كان مفاجئا إلى حد ما.
داعش في حقيقة الأمر تمثل تذكرة عودة مجانية للجميع، فحتى الكرملين سبق وأن صرح بأنه سيسحب جزءا كبيرا من قواته المشاركة في سوريا، بعد النجاح في القضاء على جزء كبير من داعش.
وفي واقع الأمر لا نعرف عن العناصر الإرهابية من النصرة وشقيقاتها، إلا ما نراه من جولات سياحية بالباصات من جرود عرسال في لبنان، إلى دير الزور، ورحلات أخرى لجمعهم في إدلب، بحماية من حزب الله والنظام السوري، وبالطبع يشارك النظام القطري بالتمويل، الذي يقع تحت مظلة فديات تبادل الأسرى.
في نفس الحلقة من المسلسل التلفزيوني ينحصر النقاش البراغماتي بين الرئيس الروسي والرئيس الأمريكي، عن ما يهم الساسة في الدول العظمى بعيدا عن الشعارات والدماء وحقوق الإنسان، وكان النقاش حول سوريا يتناول الموانئ البحرية والتصدير، وإعادة الإعمار وعقود التنقيب عن الغاز والنفط.
وهذه المصالح هي ما تهم موسكو وواشنطن وقدامى المستعمرين في نهاية الأمر، وهذا لا يلغي وجود العديد من الشياطين في التفاصيل، كما أن الأطراف الأخرى التي تعمل على الأرض السورية، لديها أهداف متباينة، فالمصالح التركية تتقاطع مع إيران في مكان وتختلف في مكان آخر من سوريا، وحسابات إسرائيل قبل الانسحاب الأمريكي مختلفة عنها قبله، خاصة بالطريقة التي ستتحرك إثرها إيران على الأرجح بعد سحب القوات الأمريكية.
موسكو حاولت جمع الفرقاء في أستانة عدة مرات، واستمرت المقابلات بين بوتين ونتنياهو وغرفة العمليات المشتركة، ولكن الطبخة لم تنضج بعد، فهناك ملفات عالقة مثل عودة اللاجئين، وكتابة دستور سوري بالنفس السوفييتي، حتى يمكن تقاسم المصالح لاحقا.
ومن أجل ذلك حاولت إعادة تدوير بشار الأسد، حيث نقلته على متن طائرة شحن عسكرية إلى سوتشي للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، نهاية العام الماضي، ثم نقلت إليه عمر البشير، كأول رئيس عربي يزور دمشق منذ اندلاع الثورة في 2011.
وقد علق سفير السودان لدى سوريا، خالد أحمد محمد، على إحدى القنوات السودانية قائلا «ليس هناك ما يمنع التعاون مع دولة صديقة مثل روسيا في استخدام طائرتها في سفر الرئيس البشير إلى سوريا».
وبالطبع ليس هناك ما يمنع ذلك، ومن الجدير بالذكر أن الرئيس السوداني زار موسكو يوليو الماضي، والعلاقات الثنائية في تطور كبير، خاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث ارتفاع حجم التبادل التجاري إلى 325 مليون دولار في 2017، مقابل 153 مليون دولار في 2016.
بعد الانسحاب الأمريكي أعتقد أن المشهد السوري سيكون أكثر تعقيدا، خاصة على النحو الذي ستتعامل فيه إيران مع الانسحاب الأمريكي، بالإضافة إلى زيادة الضغط الاقتصادي الأمريكي، عبر العقوبات المباشرة، وعبر العقوبات على ذراع إيران الرئيسي «حزب الله».
ومن يدري.. فأحيانا من التمدد ما قتل.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
هي فرصة جديدة للتأكيد على إتقان هذا العمل، وجودة السيناريو والتطابق أحيانا مع الواقع، خاصة ونشرات الأخبار تشير إلى انسحاب مفاجئ للولايات المتحدة من سوريا، وللعودة للتاريخ القريب فحتى دخول هذه القوات إلى سوريا، وتدريب عناصر من «قسد» تعتبرهم تركيا - حليفة واشنطن وعضو الناتو- أخطر عليها من داعش، كان مفاجئا إلى حد ما.
داعش في حقيقة الأمر تمثل تذكرة عودة مجانية للجميع، فحتى الكرملين سبق وأن صرح بأنه سيسحب جزءا كبيرا من قواته المشاركة في سوريا، بعد النجاح في القضاء على جزء كبير من داعش.
وفي واقع الأمر لا نعرف عن العناصر الإرهابية من النصرة وشقيقاتها، إلا ما نراه من جولات سياحية بالباصات من جرود عرسال في لبنان، إلى دير الزور، ورحلات أخرى لجمعهم في إدلب، بحماية من حزب الله والنظام السوري، وبالطبع يشارك النظام القطري بالتمويل، الذي يقع تحت مظلة فديات تبادل الأسرى.
في نفس الحلقة من المسلسل التلفزيوني ينحصر النقاش البراغماتي بين الرئيس الروسي والرئيس الأمريكي، عن ما يهم الساسة في الدول العظمى بعيدا عن الشعارات والدماء وحقوق الإنسان، وكان النقاش حول سوريا يتناول الموانئ البحرية والتصدير، وإعادة الإعمار وعقود التنقيب عن الغاز والنفط.
وهذه المصالح هي ما تهم موسكو وواشنطن وقدامى المستعمرين في نهاية الأمر، وهذا لا يلغي وجود العديد من الشياطين في التفاصيل، كما أن الأطراف الأخرى التي تعمل على الأرض السورية، لديها أهداف متباينة، فالمصالح التركية تتقاطع مع إيران في مكان وتختلف في مكان آخر من سوريا، وحسابات إسرائيل قبل الانسحاب الأمريكي مختلفة عنها قبله، خاصة بالطريقة التي ستتحرك إثرها إيران على الأرجح بعد سحب القوات الأمريكية.
موسكو حاولت جمع الفرقاء في أستانة عدة مرات، واستمرت المقابلات بين بوتين ونتنياهو وغرفة العمليات المشتركة، ولكن الطبخة لم تنضج بعد، فهناك ملفات عالقة مثل عودة اللاجئين، وكتابة دستور سوري بالنفس السوفييتي، حتى يمكن تقاسم المصالح لاحقا.
ومن أجل ذلك حاولت إعادة تدوير بشار الأسد، حيث نقلته على متن طائرة شحن عسكرية إلى سوتشي للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، نهاية العام الماضي، ثم نقلت إليه عمر البشير، كأول رئيس عربي يزور دمشق منذ اندلاع الثورة في 2011.
وقد علق سفير السودان لدى سوريا، خالد أحمد محمد، على إحدى القنوات السودانية قائلا «ليس هناك ما يمنع التعاون مع دولة صديقة مثل روسيا في استخدام طائرتها في سفر الرئيس البشير إلى سوريا».
وبالطبع ليس هناك ما يمنع ذلك، ومن الجدير بالذكر أن الرئيس السوداني زار موسكو يوليو الماضي، والعلاقات الثنائية في تطور كبير، خاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث ارتفاع حجم التبادل التجاري إلى 325 مليون دولار في 2017، مقابل 153 مليون دولار في 2016.
بعد الانسحاب الأمريكي أعتقد أن المشهد السوري سيكون أكثر تعقيدا، خاصة على النحو الذي ستتعامل فيه إيران مع الانسحاب الأمريكي، بالإضافة إلى زيادة الضغط الاقتصادي الأمريكي، عبر العقوبات المباشرة، وعبر العقوبات على ذراع إيران الرئيسي «حزب الله».
ومن يدري.. فأحيانا من التمدد ما قتل.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com